بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فها قد طوى العام الماضي صفحاته معلناً رحيله بلا عوده، وهو يخبرنا بأن ما طواه من سجلات هي أعمالنا وإنجازاتنا وإخفاقاتنا وما إلى ذلك مما قيّد علينا في تلك الأيام الماضية.
أخيّ .. بارك الله فيك، لا أريد أن أخاطبك عن تأنيب نفسك على ما قصّرت في عامك الماضي ولم تنجزه، ولا عن الأيام السابقه التي ضاع كثير منها دون إيما فائدة تذكر، كل ذلك تعلمه أنت.
ولكني أريد أن منك أن تنظر إلى الحياة نظرةً أخرى، نظرة كلها تفاؤل وأمل، وعمل دؤوب من دون كلل، ولاأقصد العصمة من الفشل، فما طريق النجاح سوى إصلاح الخلل، فكن ذا عزيمةٍ تصرع الملل، وفي ميادين التحدي تكن أنت القائد البطل.
قد تكون ممن خطط ونظّر لمسيرته في العام الماضي، ولكنك وجدت أنك لم تنجز شيئاً، فيأنبك ضميرك، ويضيق عليك عيشك، فتخيم سحابة اليأس عليك، ومن ثمّ تدخل في دوامة المعاتبه الغير مثمرة، فتورثك بذلك التعاسة والسآمة وبذلك تتقاعس عن معاودة الكرة في ميدان النجاح والارتقاء، والرفعة والبعد عن الشقاء.
أخي .. صـدقني .. لن يجد الشيطان عليك مدخلا يجعلك تتوقف عن عملك سوى ما مضى من الطريقة السلبية لمحاسبة النفس.
كن إيجابيًا في تعاملك مع ماقدر الله لك .. ولو كان فـشلاً، فهذا في الظاهر، فلا تقل : ((أنا لا أستطيع أن أستمر في أي عمل، أو أنجز شيئًا، أنا أعلم بنفسي، أنا منذ الصغر تربيت على ذلك ولا أستطيع التغيير)).
ولكن قل: ((إنّ فشلي في العام الماضي سيكون صقلاً لموهبتي، وخبرةً لي في حل مشكلاتي، وسأعتبر بما مضى، المهم أني حاولت، وسـأكـرر هذه المرة)).
أخي أقنع نفسك بأنك قادر على الإنجاز والإنتاج، واعلم أن الخطوه الأولى للارتقاء هي الرغبة الأكيدة والصادقة في ذلك، وذلك بعد الاستعانة بالله، وتنبه أن التغيير يبدأ من نفسك؛ يقول الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ويقول أحد الحكماء : "عندما تكون لديك الرغبة المشتعلة للنجاح، فلن يستطيع أحد إيقافك".
فليس المهم هو ما يحدث لك، ولكن المهم هو ما تفعـله بما يحدث لك، فإن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال : (استعن بالله ولا تعجز؛ ولا تقل لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعـل).
فعندما يكون لديك الرغبة القوية فإنه سيكون لك عزيمة قوية للتغيير بإذن الله، أما مجرد المعرفة بالطريق الصحيح فهذا لا يكفي، فلا بد من العمل.
يقول الشاعر:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تتردد
وثق تماماً - حفظك الله ورعاك - أنك قادر على الارتقاء بنفسك، فالله خلق لك السمع والبصر والفؤاد وكرّمك بالعـقـل؛ فلا تكن عاجزاً عن إنجاز طموحاتك.
يقول الشاعر:
ولم أرى في عيوب الناس عيبًا كعجز القادرين على التمام
أخيـرًا : ابتسم للحياة، واستنشق عبير العز، وتحرر من أسر الكآبة والسآمة، وتوشح وشاح العزم، واسمُ بنفسك في المعالي، وعـش يومك.
نعم؛ عش يومك لا تجعل التفكير في الماضي إلا محفزًا لك في الاستزادة من الخير؛ وذلك بأن تعلم أن التوبة تجبّ ماقبلها، وأن الله يبدّل سيئات التائبين المؤمنين المصلحين حسـنات.
وانطلق بروح جديدة، روح التفائل والتحدي، واعلم أن مدار الأمر كله ينصب في خشية الله، وأن النجاح والتوفيق بيد الله، فبادر بدعاء الله بأن يوفقك في هذه الفرصة، ويزيدك تقىً وهدىً ونجاحاً وإنجازاً، واستعذ بالله من الغوي الأغوى - إبليس- نعوذ بالله منه و مما يهوى، والحق بسفينة النجاة، وكن نجمًا في سماء التائبين المنيبين المخبتين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.