يبدو أن الحكومة المصرية تكيل الأمور بمكيالين فيما يخص السياسة الخارجية، ففي حين أنها تقوم بإحكام الحصار على قطاع غزة ، إذا بها تُفَاجِئُ الجميع بالسماح بالعربدة الصهيونية على أرض مصر، وبالتحديد فى محافظة البحيرة، في الخامس والعشرين من ديسمبر من كل عام، وحتى مطلع شهر فبراير ، وتحت عنوان "مولد أبو البركات أبو حصيرة" يتجمع الآلاف من الصهاينة من كل أنحاء العالم كل عام للاحتفال بالمولد فى قرية دمتيوه بمحافظة البحيرة .
حاخام يهودي
مولد "أبو حصيرة" وهو حاخام يهودي يُدْعَى يعقوب أهارون، وُلِدَ في المغرب عام 1807، وجاء إلى مصر وعاش فيها، إلى أن تُوُفِّيَ عام 1880، وهو يتمتع باحترام وتقدير الشعب اليهودي، ويبدأ الاحتفال به فى الخامس والعشرين من ديسمبر من كل عام، وحتى بداية شهر فبراير ، ويحضره اليهود والصهاينة من كل أنحاء الدنيا، ويصل عددهم فى بعض الأحيان إلى أربعة آلاف زائر ، يهبطون كضيوف غير مرغوب فيهم على قرية دمتيوه بمحافظة البحيرة.
وقد بدأ الاحتفال بالمولد بعد اتفاقية كامب ديفيد، وكأنه كان أحد البنود السرية للاتفاقية، ويُقَامُ المولد وسط إجراءات أمنية مشددة، تطال كُلَّ أهالي القرية.
يبدأ الاحتفال فوق رأس أبي حصيرة؛ حيث يُقام مزادٌ على مفتاح مقبرته، يليها عمليات شرب الخمور أو سَكْبها فوق المقبرة، ولعقها بعد ذلك، وذبح أضاحي - غالبًا ما تكون خرافًا أو خنازير - وشَيّ اللحوم، والرقص على بعض الأنغام اليهودية بشكل هستيري وهم شبه عرايا بعد أن يشقوا ملابسهم! وذِكْر بعض الأدعية والتوسلات حتى البكاء بحرقة أمام القبر، وضرب الرءوس في جدار المبكى للتبرك وطلب الحاجات، وحركات أخرى غير أخلاقية!
وشهدت المقبرة بعض التوسعات مع تزايد عدد القادمين، وتم كسوة الضريح بالرخام! والرسوم اليهودية! لاسيما عند مدخل القبر، ثم بدأ ضم بعض الأراضي حوله، وبناء سور، ثم قيام منشآت أشبه بالاستراحات، وهي عبارة عن غُرَفٍ مُجَهَّزة، واتسعت المقبرة من مساحة 350 مترًا مُرَبَّعًا إلى 8400 متر مربع.
وقد سعوا أيضًا إلى شراء خمسة أفدنة مجاورة للمقبرة، بهدف إقامة فندق عليها؛ لينام فيه الصهاينة خلال فترة المولد.
استفزاز مشاعر المصريين
بدأت التبرعات الصهيونية تنهال لتوسيع المقبرة أو مكان الاحتفال، وتحويلها إلى مبكى جديد لليهود الطالبين الشفاءَ أو العلاج من مرض، حتى إن حكومة تل أبيب قدمت معونة مالية للحكومة المصرية، طالبةً إنشاء جسر يربط القرية، التي يوجد بها الضريح بطريق علوي مُوصِل إلى مدينة دمنهور القريبة، حتى يتيسر وصول الصهاينة إليها، وأطلقوا على الجسر أيضًا اسم "أبو حصيرة"، فيما يحرص الصهاينة على لَفْتِ الأنظار إليهم، وتضخيم الاحتفال إلى درجة استقدام طائرة خاصة إلى مطار الإسكندرية، تحملُ وَفْدًا كبيرًا من حاخامات الصهاينة، ومعهم أحيانا وزير الأديان والعمل، وأعضاء من "الكنيست".
وزير الثقافة المصري فاروق حسنى أصدر قرارًا سِرِّيًّا رقم 75 لسنة 2001 بضم مقبرة أبو حصيرة إلى هيئة الآثار المصرية، الأمر الذي يعني حَقَّ صهاينة العالم في القدوم إليه كل لحظة، وبعد عدة دعاوى قضائية أصدرت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية- دائرة البحيرة، بتاريخ 9/12/ 2001 حيثياتِ الحكم بوقف قرار وزير الثقافة باعتبار ضريح أبو حصيرة والمقابر التي حوله بقرية دميتوه بدمنهور من الآثار الإسلامية والقبطية، ووقف الاحتفالية السنوية لمولد أبو حصيرة.
النائب أحمد أبو بركة- عضو مجلس الشعب عن محافظة البحيرة، وعضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين، وعضو اللجنة التشريعية في مجلس الشعب، يتساءل مستنكرًا: لماذا تقوم الحكومة، مُمَثَّلَةً في وزارة الداخلية، بِمَنْعِ أعضاء مجلس الشعب من دعم الشعب الفلسطيني، وإلغاء حملة فَكّ الحصار عن غزة، في الوقت الذي تخشى فيه أن تقوم بإلغاء احتفاليةٍ تُثِير غَضَبَ كل الشعب بجميع فئاته وانتماءاته الدينية والسياسية؟!.. ولماذا لم تَقُمْ بتنفيذ الأحكام القضائية التي أكّدَتْ على إلغاء هذا الاحتفال، ومنع اليهود من الدخول إلى القرية؟!
على أي حال، فالموقف المصري محير للغاية ، ففى حين أنهم يقومون بتذليل كل الصعاب أمام بني صهيون؛ لكي يعربدوا على أرض مصر، إذا بهم يقومون بإحكام الحصار على قطاع غزة، ومنع الفلسطينيين من أداء فريضة الحج، وأيضا يعتقلون الأبرياء من المصريين؛ لأنهم يجهزون القوافل لفك الحصار عن قطاع غزة .